التغيرات المناخية : المؤثرات الخارجية البيئية والاقتصادية والاجتماعية

التغيرات المناخية : المؤثرات الخارجية البيئية والاقتصادية والاجتماعية

28-03-2022

تقديم

السياق العام

عرف مصطلح "التنمية المستدامة" بالكاد بعد تبنيه، النّقد خاصّة لعجزه عن لًجمِ منوال التنمية المسيطر، منوال مُعادٍ للبيئة وملوّث بشكل كبير كما صرّح بذلك "لاتوش" سنة 2007 حيث قال : " يصطدم النمو الاقتصادي المفرط بحدود نفاذ محتوى محيطنا الحيوي، اذ لم تعد طاقة الارض الاحيائية قادرة على الّحاق بالطلب، فالانسان يحول الموارد الى فضلات اسرع ممّا تستطيع الطبيعة تحويلها الى موارد جديدة"[1]

ويرى "جوزيف ستيقليتز"[2] أنّ جائحة كوفيد-19  قد كشفت للعلن ان الاقتصاد العالمي يسير دون "عجلة احتياط" وناشد البحث عن معيار جديد لقيس صحّة اقتصاد بلد ما غير الناتج الخام (PIB) فهو في نظره لا ياخذ بعين الاعتبار اشكال عدم المساواة وعدم القدرة على الصمود والدّوام

في واقع الامر، من ابرز الانتقادات الموجّهة الى حيادية مناويل النموّ النيوكلاسيكية في مواجهة التهديدات البيئية ما تم التصريح به سنة 1972 عبر نادي روما في تقرير عنوانه "حدود النموّ" وتكمن الفكرة الاساسية للتقرير في ان المجتمعات الصناعية المعاصرة بصدد توليد مؤثرات خارجية سلبية من خلال انتاج كمّيات من الملوّثات تتجاوز الحدود اليوفيزيائية للكون وزيادة عن كونها غير متحولة او صعبة التحوّل فان هذه الملوثات تشكل المحفّزات التي ادّت الى التغيّرات المناخية والانحباس الحراري حاليا

وفي السنوات الاخيرة اضيف الى ما يسمّى بالكوارث الطبيعية  كالفيضانات والأعاصير والتصحر وكوارث اخرى تهدّد الانسانية ظاهرة الانحباس الحراري وهي عمل الانسان ضدّ الانسان ونسله بتكالبه على تحقيق نموّ اكبر في كل مرّة تحت تاثير عولمة شرسة ومغرية متسببة بفعل الالغاء المستمرّ للقيود والحدود وفتح الاسواق في حرب ساخنة بين الشركات العالميّة من خلال منافسة قاتلة

زيادة عن كون التغيّرات المناخية قد صارت امرا واقعا على كل الاطراف المتداخلة التكيّف معها، حتى تبلغ تنمية مستدامة وتتفادى تراجع دائم في النمو فانها تُعتبر مؤثرا سلبيا ناجما عن نظام تقنيّ ملتهم للطاقة وسباق مطّرد نحو معدّلات نموّ مرتفعة للشركات متعددة الجنسيات التي اخضعت لنفوذها دول كبرى ومؤسسات نافذة لحماية حصصها من السوق ومواصلة ابادتها للبيئة دون عقاب

بالنسبة الى جفراي د. ساشس[3] وهو من اهم المدافعين على التنمية المستدامة فان مسالة التغيّرات المناخية مطروحة باعتبارها اتفاقا ضمنيا بين الاجيال. ومن المفروض منطقيا ان الاجيال الحالية مطالبة بتقديم تضحيات اليوم ضمانا لتطوير رفاه اجيال الغد ومن ثمة تُصبح التغيرات المناخية مسالة توازن بين رفاه اليوم والغد

تعرضنا خلال السنوات الاخيرة وبشكل مستفيض الى اشكال متعددة لمظاهر التغيرات المناخية على سبيل المثال حول الطريقة التي تؤثر بها على الاحداث الجوية القصوى

لا يوجد اي شكّ ابدا في ان المناخ يتغيّر فنسبة ثاني اكسيد الكربون (co2) في الجوّ في ارتفاع مطّرد وكذلك الشأن بالنسبة الى درجات الحرارة (GIEC 2007) بحكم اسقاطها المرجعي يتوقع الـ (GIEC) ارتفاعا في درجات الحرارة بـ 1.1د الى 6.2 حتى نهاية القرن. كما ان النماذج تظهر بصورة قارة ان ارتفاعات تركيز الغاز لها مفعول ضغط متسبب بارتفاع في تردّدات درجات الحرارة وكثافتها وكذلك في السيول الجارفة

عملية التبخّر التي تسم الظواهر المناخية قادرة على احداث آثار هامة بشكل خاص على الانظمة الزّراعية التي يمكن ان تكون شديدة الحساسية لمثل هذه الافراطات

ويعاني القطاع الفلاحي المتهم بكثافة استعماله للمواد الكيميائية هو ايضا من الآثار المدمّرة لهذه التغييرات وابرزت بعض الدراسات[4]  الصّلات الوثيقة بين التحولات المناخية والخسائر التي يعانيها القطاع الفلاحي والفقر. وهو امر مثير جدّا خاصة وان اغلب البلدان المهدّدة بشكل شديد الخطورة بالتغيّرات المناخية هي موسومة ايضا بشدّة الفقر

اثبتت هذه الدراسات ان الاقتصاد قد لعب دورا هاما في تقويم اثر المناخ واستراتيجيات المواجهة والتكيّف، غير ان نجاح الاقتصاديين في عملية تحليل تغيّرات المناخ تتطلب التزاما واسعا ضمن مجموعة من الاختصاصات ومع المجتمع بشكل عام وهو ما يبرهن عنّ تعقد هذا الاشكال

وهكذا تعتزم منظمة التغذية والزراعة (FAO) اجراء مقاربة شاملة لتغيّر المناخ تاخذ بعين الاعتبار وجوبا مستويات ثلاث هي الوطني والجهوي والدّولي، رابطة المدى القصير بالبعيد وملمّة بكل القطاعات وضامنة في نفس الوقت لالتزام كل المتدخلين. وباحترام هذه المقاربة المركّبة نستطيع محاولة البحث في حلّ المشكلات التي يطرحها تغيّر المناخ من التناسب مع اهداف التنمية المستدامة

 بل انه ضمن هذا التصور اطلقت الـ FAO سنة 2010 مصطلح "الفلاحة الذكية في مواجهة المناخ"[5]، وهي مقاربة ساهمت في بلورة سياسات وابتكار تقنيات وتطوير شروط الاستثمار لبلوغ تنمية مستدامة للفلاحة ومن ثمّة ضمان الامن الغذائي في مواجهة التغيرات المناخية. هذا المصطلح الذي تاسس على التعاضد بين التكيّف والمواجهة يرنو الى ثلاثة اهداف يجدر جعلها متناسقة : الامن الغذائي والتكيف مع التغيرات المناخية ومواجهتها

كما طفا على السطح ايضا في السنوات الاخيرة مصطلح "الاقتصاد الدّائري في اشارة الى منوال اقتصادي هدفه انتاج مواد وخدمات بشكل مستدام مع الحدّ من الاستهلاك واهدار الموارد بالاضافة الى انتاج الفضلات، وهي محاولة للقطع مع الاقتصاد الخطّي (استخراج، تصنيع، استهلاك، نفايات) بمنوال الاقتصاد الدّائري

تبنى الاتفاق الاطاري للامم المتحدة حول التغيرات المناخية بالتوازي مع هذا، مبدأ "المسؤوليات المشتركة مع الاختلاف، وهدفه الاساسي بلوغ استقرار تركيز الغاز ذي مفعول الضغط في مستوى يمنع اضطرابا انسانيا خطيرا (صنيعة الانسان) للنظام المناخي"

لا بد من الإقرار إذا بأن أي مجهود حكومي منفرد من اجل مواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية ومؤثراتها الخارجية السلبية سواء على المدى القصير أو المتوسط لن تحرز أي نجاعة، ومن ثمّة لابد من إيجاد رؤية شاملة ذات بعد عالمي من اجل إنجاح المعركة ضد الصدمات الاجتماعية والاقتصادية لهذه التغيرات. وفي هذا الصدد، فان استبطان التغيرات المناخية في إطار منطق تنمية مستدامة يكتسي أهمية بالغة وهو ما يتطلب وفاقا سياسيّا ووعيا جماعيّا تزكيه المجموعة الدولية. ولقد حصل هذا الوفاق فعلا سنة 2015 عندما اتفقت الدول أعضاء الأمم المتحدة على أهداف التنمية المستدامة الي يتوجب على كل دولة اعتمادها إطارا مرجعيّا لتقييم درجة نجاح سياساتها الاقتصادية التي يجب أن تتجه نحو سبعة عشر هدفا تغطي رئيسيا المجالات الآتي ذكرها: مقاومة الفقر، المساواة، الرفاه، مقاومة التغيرات المناخية، استغلال مستدام للتغيرات المناخية، الخ

وفق هذه المعطيات الجديدة تغيرت محاور الاهتمام في نقاشات الاقتصاديين وصارت موجّهة اكثر فاكثر نحو الاشكاليات الحديثة بمحور تفكير جذري هو التحكيم الواجب اقامته بين البيئي والاقتصادي والاجتماعي وعبر هذه الاشكالية الكبرى نسلت عدّة اسئلة: هل بالامكان تحقيق الرّفاه الانساني وبُلوغه مع الرخاء في اقتصاد غير مبني على النموّ؟ هل بامكاننا بلوغ عولمة جديدة تتلاقى فيها كلّ الاطراف الفاعلة (الدّولة - الشركات - المجتمع المدني ... الخ) من اجل تبنّي نماذج اقتصادية جديدة تُقيم مصالحة بين فعل الانتاج وحماية البيئة؟

بعض عناصر الاجابات متوفرة كما يشهد على ذلك عمل "كاليس" (2012) الذي يحدد ثلاثة مناويل ومقاربات محتملة للنموّ الكلاسيكي: منوال اقتصاد ثابت، ومنوال دون نموّ لكن بتوجه انساني ("رفاه دون نموّ") ونموذج يرتكز على تراجع النّمو

هذه المناويل الثلاثة المحتملة تحيل على فكرة ان النموّ وفق منطقه الحالي غير قابل للصمود اجتماعيا وهذا لعدة اسباب مختلفة (تصاعد انعدام المساواة، استنزاف الموارد الطبيعية يصعب اعادة انتاجها ومسائل بيئية... الخ)

لذلك وجب ان تاخذ نوعية المحيط الاهمية الجديرة بها باعتبارها توقفت عن ان تكون ترفا بل ضرورة وشرطا اساسيا للاستمرار في الحياة

تغيّرات مناخية، تنمية مستدامة، تدهور بيئي، انبعاثات ملوّثة، نموّ وانحلال نموّ، (مع عبارات اخرى تقاربها في المعنى او تشابهها) كلها صارت شيئا فشيئا اكثر تواترا في ادبيات الاقتصاد وعلم الاجتماع والسياسة

نحن نجد انفسنا مباشرة ضمن منطق تفكير جدير بالانارة والتوضيح

وضمن هذا الاطار العام يزمع مختبرنا تنظيم ندوته العالمية الحادية عشر حول اشكالية "التغيرات المناخية وآثارها البيئية والاقتصادية والاجتماعية"

محاور الجلسات العامّة

      ايّ استراتيجيات لمواجهة التغيّرات المناخية في الدّول النامّية؟

      التغيّرات المناخية والتنمية المستدامة

      التغيّرات المناخية والمسألة الصحّية

      التغيّرات المناخية والاقتصاد الاخضر والاقتصاد الازرق

      التغيّرات المناخية والاقتصاد الدائري

      اي تحكيم بين النموّ الاقتصادي وحماية البيئة

      ماهي الصلات بين التغيرات المناخية والفلاحة والفقر

      التنمية المستدامة والادماج الاجتماعي والجهوي : توافق ام تضارب؟

      كيف يمكن تمويل اجراءات مكافحة التغيرات المناخية وماهي المصادر متعددة الاطراف المخصّصة للغرض

  ايّ دور يمكن ان يلعبه كلّ طرف من الجهات المعنّية (الدّول - القطاع الخاص - النقابات - المجتمع المدني) في بلورة عقد اجتماعي بيئي عالميّ

  هل ثمة حقا تقارب في الوعي الانساني حول اهميّة تدخل جماعي لتحسين جودة البيئة والتوجّه فعلا نحو تنمية مستدامة؟

  ما الذي يفسّر اختلاف سلوك الدّول حدّ التباين بينها احيانا تجاه الاجراءات الجماعية الواجب اتخاذها لصدّ آثار التغيرات المناخية

  هل التنمية المستدامة ممكنة في ضل التغيّرات المناخية؟

  ايّ نموّذج اجتماعي واقتصادي يمكن صياغته لاقتصاد متجه نحو الاستدامة؟

  هل بامكإننا صياغة عقد اجتماعي كوني في مواجهة التغييرات المناخية؟

  ماهي الانعكاسات المحتملة للتغيرات المناخية على الفقراء؟

  ما انواع التمويل ومصادر الإجراءات الكامنة للتخفيف من آثار التغيّرات المناخية والتعايش معها

  هل نستطيع ان نأمل في ظهور منوال تنمية يوفّق بين عمليات الانتاج والاستهلاك من جهة وحماية المحيط من جهة أخرى

  ...اشكالات اخرى

محاور الورشات

 "إضافة الى المحاور المقترحة للجلسات العامّة كلّ مساهمة غير منشورة بعدُ مرحب بها ويمكن ادراجها ضمن موقع المخبر تحت خانة "التسجيل

 في الآجال المحدّدة وتُقبل هذه المساهمات إمّا بنصوص تامة او صيغ اولية تتمثل في ملخّص مكثف مرفق بالإشكالية والمنهجية والتخطيط الاولي واهم المراجع البيبليوغراف

https://www.ps2d.org/evenement-soumission.php?id=39

الهيئة العلمية

احمد صالح، أمال ساسي تمر، باتريك بلان، برنار بيكور، بكار غريب، بلقاسم بن علال، بول مقديسي، جوال أوديني، حبيب زيتونة، حاتم مهني، حافظ بن عبد النبي، حافظ بوعكاز، حمادي فهري، خالد بن غربال، دنيا سماعلي بوحليلة، رنا دلالي، ريحانة العاصمي شبوح، رياض بن جليلي، سفيان الغالي، سالم كانون، سلمى زواري، سليم إدريس، سامي العوادي، سامي الهمامي، سمير عبد الحفيظ، سمير الغزواني، سهى التميمي، سيف الدين ساسي، صفوان بن عيسى، عبد الجبار بسييس، عادل بن يوسف، علي علجان، عمر بالهادي، عياد بن ساسي، غازي بوليلة، فؤاد قابسي، فاتح بلعيد، فتحي سلاوتي، فتحي النوري، فخري عيساوي، فاطمة شرفي مراكشي، فيصل بن عامر، كمال الغزواني، كميلة بوعزيز، لمياء المقدم، لمين حماص، ماهر قصاب، محمد بن عبد الله، محمد اللومي، محمد الهدّار، معز السوسي، معز العبيدي، منجي بوغزالة، منجي مقدم، موهوب موهود، ميشال ديمو، نجيب غربي، نوري شتورو، هادي زعيم، هالة مهري، يانيك لاهورتي، يونس بوجلبان

المواعيد الهام

تقديم الاعمال المشاركة حتى 15 نوفمبر 2021

إجابات القبول المبدئي: 22 نوفمبر 2021

تلقي المشاركات في نصوص تامة 15 ديسمبر 2021

تلقي المشاركات في نصوص تامة بعد التقييم 15 فيفري 2022

تأكيد المشاركة في الفترة الممتدة بين 01 مارس 2022

 

لجنة التنظيم

أمال تمر، أميمة إدريس، خالد بن غربال، دنيا سماعلي بوحليلة، رنا دلالي، ريحانة العاصمي شبوح، سامي العوادي، سمير الغزواني، عياد بن ساسي، فخري عيساوي، كميلة بوعزيز، محمد الوردي، معز السوسي، منى المولهي.

اللّغات المعتمدة في الندوة

العربية، الفرنسية والانجليزية

معاليم المشاركة

د40دينار تونسي او 200 أورو

 

[1] لاتوس .س. (2007) "الاطروحة الصغيرة عن الاضمحلال الهادئ" باريس (ألف ليلة وليلة) ص 42.

[2] جائزة نوبل للاقتصاد

[3] جفراي د. ساشس (2015) التغير المناخي والرفاه بين الاجيال كتاب الجيب- اكسوفر- الاقتصاد الكمّي الاحتباس الحراري

[4] توماس وهرتال وستيفاني د. روش (2010) "تغير المناخ والفلاحة والفقر"

[5] الفلاحة الذكية للمناخ (CSA)